قانون دجاجات جدتي


قبل قليل بينما أنا أتسكع في حديقة جدتي، بالقرب من حظيرتها التي تقيمها للدجاجات والطيور رأيت شيئاً جعل فكرة من نوعٍ ما تلمع في رأسي كمصباح..
رأيت باب الحظيرة مفتوحاً وهلعت لأغلقه لئلا تهرب الدجاجات فهذا ما كانت تخبرنا إياه جدتي دوماً، عفواً ليس دوماً بل عندما صنعت هذه الحظيرة، وأحيطكم علماً أن جدتي لم تشترِ هذه الدجاجات بل تبنتها، بعضها كانت مصابةً بأمراض والأخرى مرميةً بالشارع وأذكر ذات مرة أننا كنا مسافرين بالسيارة فوجدنا صندوقاً مرمياً على الطريق وتوقفنا لإبعاده، كان يحوي وزناً ثقيلاً بداخله وأشياءً تتحرك، وجدنا بالصندوق 3 طيور ترتجف برداً وعندما جلبنا لها الماء كانت تلهث مُحاوِلةً التقاط قطرةٍ منه، بالحقيقة نعم كانت الطيور تلهث بالمعنى الحرفيّ حتى ظننت أنها لم تكن طيوراً بل مخلوق من نوعٍ ما J، حملنا الصندوق معنا طوال الطريق حتى أعطيناه جدتي التي طلبته منا واعتقدت أنها الأحق برعايته ومن هنا جاءت فكرة الحظيرة لجدتي اللطيفة.
وهذا يثبت لكم بالرغم من أن جدتي أقامت الحظيرة لا لأن تستفيد مما فيها وحسب! بل لتعتني بالطيور وتعالجها وتغذيها وهذا ما تستمتع به أيضاً، وبقايا الطعام بدلاً من أن ترمى في القمامة تصبح من صالح الطيور! لقد كانت جدتي تعتني بالقطط والأرانب في هذه الحظيرة لكن من الصعب جداً الإعتناء بالطيور والقطط في آنٍ واحد "العدوين اللدودين"، فقررت أن تحرر القطط التي كانت بدورها تهرب حتى نجدها تارةً حبلى وتارةً أخرى تعاني من مرضٍ معدٍ بسبب تسكعها في الشوارع، وعندما احتفظت بالأرانب لاحظت أنها تودّ الهروب بشدة فكانت تحفر تربة الحظيرة وتخرج من تربة ما خارج الحظيرة، بغض النظر عن سرقة الأرانب للخضروات من الحديقة المجاورة بشكلٍ متكرر "تحب القرمشة ليلاً"..
أما عن الطيور بأنواعها فكانت تدردش قليلاً وتلتقط الحبوب بمناقيرها كثيراً ولا بأس بذلك، نعود لفكرتي أم راقت لكم قصص دجاجات جدتي؟ أفكر بكتابة رواية تحوي قصص الدجاجات وأسميها:"حظيرة المشاغبين"
حسناً، حسناً، حسناً!
أخبرتكم سابقا أنني بينما أتسكع وجدت الباب مفتوحاً وهلعت لإغلاقه قبل أن تقول لي مساعِدة جدتي أنهم توقفوا عن إغلاقه منذ فترة فالطيور تطير بعيداً وتعود والدجاجات والدِّيَكة وبقيتهم يمكثون في الحظيرة فلقد سئموا الخروج منها خصوصاً وأن الشمس حارةً بعض الشيء في النهار "إلى حد الإحتراق واقفاً" ولو خرجوا يعودون أدراجهم.
هذه اللحظة التي لمعت فيها الفكرة! كانت متأصلة من أطراف أصابعي في يدي الممدودة لإغلاق الباب حتى عقلي الأرجواني، إذاً نيوتن ومن هم على شاكلته الذين كانوا يثبتون إثباتاتٍ منطقية من مواقفٍ سخيفة كالتفاحة والفئران كانت بداياتهم هكذا فماذا عني؟ لمَ لا أكون على شاكلة نيوتن حتى ولو لم أمتلك شعره الرماديّ الفاتن؟
بل وأن الموضوع يتعلق بالدجاجات نفسها! كيف لها أن تصبح أذكى من النمل والنحل وباقي المخلوقات؟ إذاً دعوني أشرح:
"الدجاجات لم تعتد المكان كثيراً واعتادت أن تكون حرّة وبعضها وُلدت في هذا المكان وكانت في البداية مجرّد صيصان تقفز أمام باب الحظيرة محاولةً الخروج، كانت تريد ما هو ممنوع حتى فُتح لها الباب وأصبح مسموحاً لها أن تذهب أينما تريد وبلا أي رقابة ولكن يا دجاجات! أحطيكن علماً أن الباب سيغلق عندما تنام جدتي! هذه تتعلق قليلاً بنظرية سكينر أو تشبهها من ناحية إعتياد الحيوان على نهجٍ واحد، الدجاجات أصبحت تعرف مواعيد الفتح والإغلاق رغم أن البشر ما زالوا يتأخرون على مواعيدهم اليومية التي لا تتغير J! عندما فُتح الباب للدجاجات أول مرة ظنت أن ما تحويه الجرّة المغلقة عسلاً، ذاقته كثيراً حتى اكتشفت أنه سمنٌ ثقيل المذاق ويسأم المرء من أن يذوقه كل يوم! ناهيك عن أنها تأكل في حظيرتها ما لذ وطاب "لا أعني وليمة دجاج بل ما يبدو شهياً بالنسبة لدجاجة من حبوبٍ وبقول" ولكن السمن والعسل تعبير مجازي والخروج خارج الحظيرة يعتبر كنزهة لهن، عندما اعتادت الدجاجات الخروج كان هذا مثيراً بالنسبة لها! كانت تستكشف الكثير والمكان أنظف من الحظيرة والهواء الطلق يحرّك خصلات ريشها المنسدله.. إلا أن! هذا يحصل كل يوم..
الدجاجات لم تعد تجد متعة في الخروج كل يوم والتجول بلا فائدة! ناهيك عن أن بر الوالدين مطلب! فالدجاجات الكبيرة والدِيَكة المعمّرة يراقبون الصغار من داخل الحظيرة وهم يلعبون لعبة الغميضة، وعندما يعودون مصابين بالبرد والزكام تنهرهم أمهاتهم عن الخروج حتى أصبحوا يستمتعون مع بعضهم البعض في مكانٍ دافئ وبارد في آنٍ واحد وهو حظيرة جدتي الرائعة!"
صعب الفهم، صحيح؟ إذاً تخيل لو أنك مدير قام بوضع موظفين في حظيرة.. عذراً! في مقر العمل وطلبت منهم العمل لساعات طويلة ولكن كانت هناك تلك الباحة الجميلة التي تطل على كل المدينة، لم يروها يوماً لأنها لك وحدك وأنت تمنعهم عن الخروج من مكاتبهم! عندما تخرج في أوقات راحتك للباحة ويرونك تغلق الباب خلفك ذاهباً لوحدك.. هنا ستبدأ الإشاعات عنك! سواءً كان ذلك بأنك تستضيف تجار مخدرات في هذه الباحة أو طيارة هيلوكوبتر، ربما يوجد هناك مخرج تتسلل منه عن طريق الزحلقة ليوصلك إلى سيارتك، أو حتى ربما أن شكل الباحة جميلٌ جداً للحد الذي يجعل الخروج لها جميلاً لتشاهد الغروب في منتصف النهار! إنها باحةٌ سحرية بالطبع! يا للهول..
وتستمر بسماع تلك الأقاويل عن الباحة فشعرت ذات مرة برغبة بأن تشاركها معهم وفكرت لمَ أمنعهم عن الخروج لها طالما أنهم يمتلكون ساعات راحة لا يقضونها إلا في مكاتبهم!
فتحت الباب الذي يؤدي إلى الباحة والذي هو بمثابة باب الحظيرة للدجاج الذين هم موظفيك.. وسمحت لهم بالخروج! ماذا سيحصل؟ ستجدهم يتدافعون عند أول لحظة لا يسعك التفكير بها، ليخرجوا ويشموا الهواء العليل عند أشجار الباحة وطبيعتها الخلابة المطلة على مباني المدينة الرائعة وغروب الشمس أو شروقها في منتصف النهار، بجانب الهيلوكوبتر والمخرج المتزحلق..
ليكتشفوا أنها مجرد باحة! لا شيء مميز فيها سوى أنها مكشوفة السقف، لا أشجار ولا طبيعة ولا شروق ولا غروب لا هواء ولا مباني ولا مخرجاً متزحلق! هل تستطيع إنكار البقعة الجغرافية التي تقطن فيها؟ اصدقني القول.. هل تستطيع الخروج في الساعة الواحدة نهاراً حافي القدمين؟ لا هواء ولا طبيعة حتى المباني لم تكن إلا 3 مباني متباعدة..
سيجد بعض الموظفين سبباً للخروج، عندما يكون الجو جميلاً وعندما يشعرون برغبة استنشاق هواءٍ من الطبيعة مباشرة أما الآخرون فسيلازمون مكاتبهم كالسابق حتى يأتي وقت لا يخرج فيه أحد للباحة سواك، لأنهم باختصار لم يعودوا يروا شيئاً مميزاً فيها واكتشفوا ان كل ما تصوروه كان مجرد تصور لا وجود له وهكذا سيعتادون على الرجوع إلى مكاتبهم وممارسة العمل بشكلٍ طبيعيٍ تماماً.


تعليقات

المشاركات الشائعة