قصة حياة نبتة


تتمرد النبتة وتوقظ كل النباتات في الجذع، تثور على الأغصان، لقد كانوا كثيراً ما يشتكون من هذه النبتة بالذات، دوماً ما كانت تعيق سير الحشرات الماكثة فوق سطحها الناعم لتسقطهن عن قصد، قتلت خنفساء ذات مرة. وفي كل مرةٍ يهب فيها النسيم كانت تحاول البقاء بثبات لئلا يهزم شموخها الذي تظنه ثابتاً.

غضبن منها باقي النبتات في نفس الجذع، ولكنهن بقين ساكنات كما كنّ دوماً، لا أسباب تخولها لهذا التمرد سوى الوهم الذي صنعنه النبتات في عقولهن، لقد كانت ملتوية بنبتة أخرى تخرج منها، دوماً ما ظنن أنها مميزة وأفضل منهن لهذا السبب. يسعين لرضاها رغم أنها غاضبة طوال الوقت، تتذمر من سوء تدبيرهن، كثيرة الأمر ودائمة الصراخ، كانت تهدأ طويلاً فتعود بثورة غضبٍ عارمة وأقرب ما تكون إلى "إعصار"، هنّ الأخريات لا يعجبهن ما يحصل، لكن الأوهام في عقولهن تخبرهن بألا يعصين لها أمراً.
فجأة قررت هذه النبتة النرجسية المتكبرة ألا تمكث طويلاً في هذا الجذع، لقد ملأها التكبر لدرجة جعلتها تظن أنها تستحق ما هو أفضل من هذا، الجذع والأغصان والشجرة نفسها لا يناقشن ما يحصل، بديهيتهن تخبرهن: "هي مختلفة جداً حتى ولو كانت نبتة صغيرة، وهي تستحق ما هو أفضل دوماً فمن له الحق في مجادلة هذا؟"..
بالرغم من الإمتيازات التي تتمتع بها النبتة ما كانت لتملكها لولا أنهن هنّ من أوجدنها، كانت تثور فتخرج من الجذع وتعود عندما تصبح شاحبة وعلى وشك الموت، لتجد الجذور ترحب بها وتضمها وسط أحضانها، فتبث الحياة فيها وتوقظ كل خليةٍ ماتت.
اليوم النبتة ارتوت، وحصلت على ما يكفيها من ضوء الشمس ومداعبة الهواء الذي تقف بوجهه بكل مرة بشموخها المصطنع، تنظر حولها فترى النباتات يرقصن بحب، والشجرة تضمها بين أحضانها، والجذوع تطرد كل بومةٍ تحطّ فوقها، لتجعل هذه النبتة تغطّ في نومها العميق بلا إزعاج.. مارسن عليها كل أنواع التدليل والحب، ولكنها دوماً ما كانت تظن أنها تستحق الأفضل وهذا ما جعلها لا تستحق شيئاً!
قررت أن تهرب مجدداً! ليس قبل ممارسة دور السلطة عليهن، والصراخ في وجوههن على أتفه الأسباب، كانت تعزل نفسها في آخر الشجرة، فتنادي كل نبتةٍ بإسمها لتخدمها كجارية، لتزيح الغبار عن ورقها، ولتسقيها بعضاً من الماء، وأحياناً ما كانت تستظل بضوء النباتات من الشمس الحارقة، الشمس التي تحرقهن هن فقط!
وجدت أن الشجرة الأم كانت تستقبل الطيور لتدردش معهن في الصباح، هذه الشجرة العجوز ملّت من الجلوس وحدها بملل في كل صباح فقررت أن تبحث عن من يؤنسها فلم تجد أفضل من هذه الطيور..
غضبت النبتة، وعلى الرغم من صغرها فعلياً ومعنوياً إلا أن تكبرها كان يعطيها من الحجم الكثير، شعرت أنها مسؤولة عن الشجرة، فصرخت عليها وخرجت غاضبة، ذهبت هذه النبتة الخسيسة إلى الدود، فأمرتهن بأن يأكلن العصافير حتى لا يبقَ منهن إلا العظام، ففعلن..
لقد كانت تلك الشجرة المسكينة الضعيفة الواهنة لا تملك حيلة، جلست على طاولة الطعام ولم تشعر برغبة في تناول الفطور، تجمعن حولها النباتات وأخذن يربتن على كتفها، ويخبرنها أن تلك النبتة وصلت إلى حد من التمرد ما جعلها تعصي أمر الأم.
ستعود يوماً، ولكن هل يا ترى ستتعلم الشجرة بأغصانها وجذورها وأوراقها من الدرس؟ أم سيخضعن مثل كل مرة؟
لا أعلم الجواب لذلك، ولكن ما أعلمه هو أنهن هن من صنعن منها نبتةً حقيرة، هنّ من دللنها حتى انقلبت عليهن، هي نبتة مثلهن! وفكرة أنها مختلفة في الخلق والصنع لا تنفي حقيقة أنها نبتةً عادية، لا تحرّك ساكناً أبداً سوى أنهن حركن الساكن من أجلها، فكفوا عن تدليل نباتاتكم، وتعلموا كيف أن تسقوها وتعرضوها للشمس بالقدر الذي تحتاجه، أصلح الله نباتاتنا ونباتاتكم وأذبل ما لا حيلة لنا فيهن.




تعليقات

المشاركات الشائعة