آراء مهمة من أشخاص لا يهتمون


لطالما كان للمدرسة ومواقفها تأثيراً كبيراً على نفسي، لابد من هذا الشعور لكل مراهق أو حتى من كان مراهقاً ذات يوم. علاقاتنا في ذاك الوقت ومواضيعنا وأفكارنا كلها تتمحور حول المدرسة وتتمركز فيها فمن الطبيعي أن تحصل فيها مواقف تهدم وتبني.
على العموم عندما انشأت هذه المدونة تذكرت موقفاً أثر بي بين عدة مواقف، طلبت مننا معلمة اللغة العربية ذات مرة أن نكتب موضوعاً عاماً ونظهر به بعض ما درسناه من مقارناتٍ وتشبيهاتٍ وما إلى ذلك، أتذكر أنني كنت أشتعل من الحماسة لكي أكتب موضوعاً مهماً ألقيه في الفصل أمام زميلاتي وأن أستمع إليهن بدوري، كنت لا أطيق صبراً حتى عدت إلى البيت ودخلت غرفتي ورميت بحقيبتي بعيداً، فتحت الحاسب وهرعت أكتب لساعات، كانت أمي تدخل وتقول: "أول مرة أراك بهذا الاهتمام لواجباتك! اقترب آذان العصر وانتِ لم تتناولي الغداء بعد" كانت منشغلة البال علي لوقتٍ طويل حتى أنهيت الموضوع، أسميته: (خمسون عاماً من الحصار) كان الموضوع عن حصار إسرائيل لغزة منذ العام 1967، اجتهدت كثيراً لساعات رغم أن أكثر ما أمل منه هو الكتابة لوقتٍ طويل، لذا أنهيها بسرعة ولكن ليست تلك المرة.. شاركت الموضوع مع صديقتي وأدهشها خصوصاً أن العنوان كان من اقتراح والدها "نعم، كان الموضوع بهذه الأهمية لي ولها ولوالدها ولا أعلم لماذا".
سهرت لساعات أعيد قراءته كلما تذكرته وأضيف بعض الكلمات والجمل وأحذف بعضها إلى أن نمت وجاء اليوم الثاني لأتقد حماسة أكثر من ذي قبل، لم أعي حتى طلبت المعلمة من كل طالبة الوقوف وقراءة مقالتها وقالت:"سنبدأ الأسماء بالترتيب من الألف إلى الياء"، انتظرت كثيراً حتى يحين دوري لأن اسمي يبدأ بالحرف السابع والعشرون من الأحرف الأبجدية، أي قبل الأخير.. الحصة شارفت على الانتهاء ونحن لم ننتهي من حرف الألف بعد، كان عدد الطالبات اللاتي تبدأ أسماءهن بحرف الألف 9 طالبات من بين الأربعين الأخريات اللاتي تبدأ أسماءهن بأحرف مختلفة، في أحيانٍ كثيرة كان جيداً لي أن حرفي ما قبل الأخير لأستغل الوقت الذي يقضينه الطالبات في تسميع القصائد بحفظ القصيدة نفسها ولكن الخطر الحقيقي إذا ما أرادت معلمة من نوع غريب ونادر أن تبدأ من حرف الياء كنوع من التغيير.
على أي حال، طلبت المعلمة من آخر طالبة بحرف الألف التوقف عن القراءة ثم طلبت منها أن تجمع الأوراق لتقرأها المعلمة لوقتٍ لاحق، أعطيتها الطالبة وأنا ابتسم لأنني علمت أن المعلمة ستقرأها. انتظرت حتى الحصة الأخيرة وذهبت لمكتب المعلمة لأتحقق إذا ما كانت قرأت الموضوع ولكن غشتني بعض المنطقية فتراجعت، ماذا يحصل لي الآن؟ هل هذا بسبب تشجيعها لي بكلمات سطحية فيما قبل حين رأتني أكتب بينما يتحدث البقية لملئ وقت الفراغ؟ حسناً لا داعي للمبالغة لننتظر حتى يحين يوم غد وسأسألها حينها.
جاء اليوم التالي وأنا أنتظر، أنتظر، أنتظر. "بثرة"
دخلت الصف شرحت الدرس وجلست تقرأ بعض الأوراق وعندما انتهت رأيتها تنده لطالبة وتعطيها الأوراق من بينها التي كتبتها بنفسي، تساءلت أين طلبت منها أن تذهب بالأوراق؟ سألت المعلمة: "أستاذة، هل قرأتي ما كتبت؟" قالت نعم كلكم حصلتم على الدرجة كاملة" فتجاهلتني بسرعة لتقول بصوت أعلى مخاطبةً باقي الفصل:" على فكرة لقد حصدت الدرجات لواجب الأمس، أحسنتن"..
حسناً لن أقول هذا بدافع الغرور ولكن كنت أعلم أنني وحدي من اجتهدت ووحدي من كتب موضوعاً بهذه الأهمية ناهيك عن أنني أعلم القدرات الكتابية لكل طالبةٍ هنا، رغم أن أكثرهن نقلن المواضيع من الانترنت. تارةً ما كان الموضوع عن خطورة رفاق السوء والآخر عن الغدة الدرقية وخمسةً أخريات نسخن مقالاً عن حب الوطن وبالصدفة كان الموضوع يتحدث عن دولة الإمارات بلا أي استيعاب منهن، بلا أي استعارات او تشبيهات أو حتى شيئاً واحداً مما درسناه أو طلبته المعلمة.. جرحني هذا قليلاً!
 رغم كل جهدي الذي بذلته ما زلت أساوي الجميع، لقد سهرت الليل بطوله أفكر به وأصيغه صياغةً جيدة ولم أصدق حتى استيقظت لليوم التالي لأرى إحدى زميلاتي التي كانت نائمةً على الطاولة ولولا أنها سمعتني أتحدث لصديقاتي عن الموضوع حتى قالت:" يا ويلي! نسيت أن أحل الواجب وحصة اللغة العربية هي التالية!" ذكّرت بعض الطالبات الأخريات فذهبن لمكتبة المدرسة وطبعن موضوعاً جاهزاً من الانترنت وبالنهاية يحصلن على الدرجة نفسها التي حصلت عليها... هذا لا يعني أنني لا أتمنى الدرجة الكاملة إلا لنفسي، إلا أنني تمنيت لو أن جهودي تُقدّر ولو بكلمة بسيطة. عندما حان وقت الفسحة ذهبت لأرمي علكةً في القمامة وأؤكد لكم أنني أتذكر شكل العلكة جيداً، رأيت موضوعي مع باقي المواضيع مرمياً بإهمال في وسط القمامة.. بين القاذورات كنت أرمق بعض كلماتي التي اصطبغت بلون العصير المنسكب عليها. الآن هذا جرحني كثيراً وجداً وفي الثلاث سنوات التالية درستني المعلمة نفسها وحصلت المزيد من هذه المواقف. للأسف أن المعلمة لم تكن جيدة أو مخلصةً في مهنتها، لم تكن تشرح حتى خرجت ذات يوم كعادتها عند باب الفصل لحراستنا وحسب ففوجئت بزيارةٍ مفاجئة لإحدى المشرفات، هلعت إلينا راكضةً وطلبت مننا إخراج الكتب والأوراق والأقلام ونثرها على طاولاتنا وبدأت تكتب على السبورة بسرعة حتى يبدو ذلك وكأنها تشرح درساً. لا أنكر أنني كنت أستلطفها إلا أنني كنت دائماً ما أحزن لأنني حقاً أحب هذا المقرر، الشعر والكتابة وهو بذاته تكوينٌ لغوي ونضوجٌ فكري ليس كما كنا ندرسه في السابق من قصص وخرافات تتناسب مع عقول الأطفال فقط.
على العموم.. لم أطلع أحداً قط على ما أكتب منذ أن أصبحت أكتب بجدية، سوى أمي وأبي وصديقتي المقربة. لم أحاول حتى. وأتذكر أن عمي يمتلك في جهازه نسخة من مقالةٍ كتبتها عندما كنت في الحادية عشر من عمري، أشعر أنهم فهموني أكثر من أي شخص وقدروا ما كتبت حتى لو كان لا يتناسب مع ما يعجبهم أو ما يكتبونه ويقرؤونه بإختلاف أهوائهم، إنني حتماً لم أصل إلى أول مرحلةٍ في الكتابة بشكلٍ جيد ولكنني أيضاً أقدر كل ما هو مكتوب وأحب أن أقرأ وأكتب. فلم لا؟
ولو لاحظتم أنكم أول الأشخاص من بعد الأشخاص الأربعة الذين شاركتهم كتاباتي فيما قبل، وهذا لأنني أثق بما ستجدونه في كتاباتي ليس إلا. أهتم كثيراً لإطلاعكم.


تعليقات

المشاركات الشائعة