مجرّد طبيعة



دائماً ما تساءلتُ داخلياً عن السبب الذي يدفع الإنسان للقيام بما ترفضه النفس السويّةُ المطمئنة! وكنتُ أجد الإجابة في كل مرة بأنها وسوساتٌ خفية يتلوها الشيطان بخبث على كلِّ إنسانٍ ضعيفٍ مستسلم. كما هو حال كل البشر الضعفاء! إلا أن ضعفاً عن ضعفٍ يختلفُ كثيراً. هنالك ضعفٌ يختبئ خلف قوةٍ عظيمة، بدورها تلك القوة.. تردعه!
وضعفٌ متردد ينتظر ما يجعله ينهض عن مقعده ليُحدث بعد ذلك فرقاً فيصِلُ إلى ما بعده.
وضعفٌ جبارٌ متكبر لا حيلة لصاحبه المستسلم سوى الإستسلام مرةً تلو الأخرى. وتجده عندما يوجس في نفسهِ قوةً يلقيها الله رأفةً به يستعين بالشيطان ليكون أكثر ضعفاً من ذي قبل. يعينه الشيطان على إيجاد حلولٍ تُضرم النار بروحه الشقيّةِ العابثة ويجعل له نصيباً من الهوانِ والذِلَّة.
قال البارئ جل جلالهُ في كتابه: (وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً) النساء/28 ، وهذه الآية من أعظم الأدلة على أن الشريعة الإسلامية هي الشريعة المناسبة للتكوين العقلي والجسدي والنفسي للإنسان، وأن أحد المبادئ والأساسات التي تقوم عليها مناسبة "الطبيعة البشرية" المجبولة على الضعف والوهن مهما علَت النفوس وتكبرت، فهي في حقيقتها ومآلها ضعيفةً لا تقوى إلا على ما يناسبها ويُشاكلها.
وقد قال تعالى في كتابه الكريم: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء/76
تفسير الإمام الطبري لهذه الآية:
"وإنما وصفهم جلّ ثناؤه بالضعف، لأنهم لا يقاتلون رجاء ثواب، ولا يتركون القتال خوف عقاب، وإنما يقاتلون حميّة أو حسدًا للمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله. والمؤمنون يقاتل مَن قاتل منهم رجاء العظيم من ثواب الله، ويترك القتال إن تركه على خوف من وعيد الله في تركه، فهو يقاتل على بصيرة بما له عند الله إن قتل، وبما لَه من الغنيمة والظفر إن سلم. والكافر يقاتل على حذر من القتل، وإياس من معاد، فهو ذو ضعف وخوف."
والضعف الوارد في الآية ليس وحدهُ ما يسمى ضعفاً! يتعدد الضعف وتتعدد أشكاله ولكن أساليب محاربته هي التي أخبرنا عنها ربنا تبارك وتعالى.
لذلك.. تعايشوا مع ضعفكم ولا تتجبروا. إياكم وأن تجعلوا له سبيلاً يثبتُ فيه نفسهُ بين كل تلك الصفات التي تتحلون بها، لا تجعلوا للشيطانِ نصيباً من أرواحكم واجعلوا الله رقيباً عليكم أينما كنتم وفي أي وقت.


تعليقات

المشاركات الشائعة