حالة شتات من النوع العتيق


كحالة من الشتات أودّ أن أشارككم جل ما يشغل بالي هذه الأيام..
كنت أفكر: جميعنا سنموت ولن يبقى أحد ذات يوم. بعيداً عن مدى خوفي من الخواء والفارغ الأزليين إلا أن مجرد التفكير بأننا هنا كدُمى تُحرّك بخيوط من الأعلى يدفعني إلى استصغار كل شيء في هذا العالم! كم أننا أغبياء لأننا نعلم أننا سنموت ذات يوم ولكننا نعمل بجد، وكم أن أجسادنا ضعيفة لأنها لا تبدو كدُمى فحسب، بل هي في الأساس دمى بشكل يبدو أكثر دقة وإحكام. عندما كنت أصغر سناً دائماً ما كنت أحوم في تلك الدائرة التي تتجمع فيها تساؤلاتي الغير مرئية لأحدٍ غيري، لأني وبطبيعة الحال أودّ العثور على إجابةٍ بنفسي لا أن انتظرها من أي شخص يصادفني ويخبرني ما يظن أنه صحيحاً وبلا إدعام أي دليل. ولكن طالما أنني أؤمن أننا سنموت ذات يوم وربما لن نحصد ثمار ما زرعناه يدفعني مجدداً إلى تلك الدوامة اللامتناهية، أحياناً كنت في الفصل أمسك بقلمي وأستمع لما تشرحه المعلمة وفي هذا المحيط الهادئ والساكن تساورني تلك الأفكار مجدداً، تشتتني ولا تجمعني! لطالما شعرت بالسخف من تلك المقررات الدراسية، من أحاديث الفتيات ومن كل ما يجري على ألسنة الناس، شعرت بالسخف وأنا ذاهبةٌ للمدرسة وأنا عائدةٌ منها وأنا أشعر بالتعب، هل هذا التعب والإجهاد سيبقى لي للأبد أم أنه مجرد إشغالٌ للنفس دنيوي؟
كنت مراتٍ كثيرة أستعين بمعلمة الدين كونها أكثر من أثق به في مواضيعٍ كهذه وكانت أقرب معلمةٍ لي ولا زلت أحبها، على العموم حاولت مراتٍ كثيرة أن أناقشها بتساؤلاتي ورغم أنها أكثر من وثقت به إلا أن أملي خاب كثيراً بعد كل مرةٍ ذهبت بها إليها، كنت أشعر بشتاتٍ غريب لا يمكنني وصفه، أتمنى الآن لو أنني قلت لها أودُّ مناقشتك ومعرفة آرائك بمواضيع كهذه وحسب، ولكن هذا الذي لم يحصل! كنت أحاول جاهدة إيصال ما بجعبتي لها وكانت هي بدورها تحاول جاهدة أن تفهمني وهذا ما لم يجعل للتفاهم بيننا موئلاً، كانت تُدرك أنني عاجزة عن التعبير عند بعض المواضع "رغم أن أكثر ما أجيده معها هو الحديث" وكنوع من المواساة كانت تختلق سؤالاً مما فهمته مني وتجيبني، كانت تعلم أنه لم يكن سؤالي وكنت أعلم أنه لم يكن الجواب حتماً. ولكنني كنت أستمع وأهز رأسي وأشكرها على إجابة السؤال وأذهب لتعود وتلتصق بعقلي كل تلك الأسئلة كجراثيم صغيرة، تنمو شيئاً فشيئاً.
وأود أن أن أقول أن من يطلق عقله هو أكثر خبرة من الفلاسفة الذين يظنون أنهم برعوا عن غيرهم بالتفكير، إذاً جميعنا فلاسفة لأننا جميعاً نفكر! هه هذا ما أتحدث عنه، أيضاً جميعنا نعاني من تساؤلات لا إجابات لها سوى التجاهل "رغم أنه أصعب ما يختاره المرء" أو أن يستمر في حياته جاهلاً!
فمما يخفف حدة هذه التساؤلات على المرء هو أن يكون جاهلاً متجاهلاً، لا أن يكون جاهلاً ويسعى إلى ألا يكون متجاهلاً لأن النتيجة هي نفسها فلا إجابة ولا يوجد مفترق طرق، ولكن الأفضل أن تعيش مرتاح البال وتعلم أنك وجدت هذا بنفسك.

تعليقات

المشاركات الشائعة