من أنا؟

*للترفيه وكسر جديّة الجو اضغط هنا*

هل وقفت يوماً في خضم معركةِ أفكارك وسألت نفسك:
من أنا؟
يعتقد الفلاسفة وكل من يعتقد بالفلسفة ويجعل عقله يجري خلف عقله، يدور العقل حول نفسه مراراً كالإلتفاف على ذات المكان بالمعالم نفسها. كل من يعتقد أنه وُجد من العدم وكل من يُعلي شأن النفس البشرية أن هذا السؤال لا إجابة له، سؤالٌ تتشابك الإجابات على الباحث عنه في أول خطوةٍ يطأها على أرض مملكة "من أنا؟".
ولكن طالما أن العقل بهذه الأهمية عند تلك الزمرة، لماذا لم يُحكموا عقلهم يوماً؟ أليس لكل شيءٍ أساس؟ الإنسان كان نطفةً ذات يوم، والفراشة كانت شرنقة، والشجرة التي نستظل بها كانت مجرد بذرةٍ بين ملياراتِ ذرات التراب.
ولكن للنطفة من يغذيها لتصبح إنساناً، وللشرنقة ما ينميها لتغدو فراشة، وللبذرة كذلك ما يسقيها لتصبح بهذا الحجم.
ولو اتسعت دائرة تفكيرنا سنجد أن عقلنا يقودنا إلا أنه لابد وأن للكونِ مدبّر، أعظم من هذا الإنسان والفراشة الطائرة والشجرة التي تظلنا والكون بأسره حتماً، بكواكبه ومجراته ونجومه وكل مخلوقاته. إذاً ماذا يحصل؟ ومن أنا مجدداً؟ 
أنا إنسان، خلقني الله لعبادته وعمارة الأرض، نفخ فيّ بأمره روحاً تتولى أمر جسدي، جعل مني حراً فيما أختار وكذلك اخترت، أعيش هنا في هذه الأرض وأتغذى على خيراتها، أتنفس الهواء وألبّي احتياجاتي كافة، من أكلٍ وشربٍ ونوم..
أعيش كل يوم على أقداري المكتوبة وسأموت ذات يوم لأكون بين يدي عزيزٍ كريم، سأُحاسب لأنعم بالجنة أو أُزجّ في النار.
أما بالنسبة للتفاصيل الغير مهمة فأنا مجموعة مشاعر، يحكمني عقلي ومحيطي، أحتاج كثيراً للأمان وأعيش بين أخطر مخلوقاتٍ هي من جنسي ومحتومٌ عليهم ما هو علي بإختلاف الظروف. أحتاج كثيراً لأكون بين عائلة وأحتاج أن أصنع عائلة ذات يوم. فاحتياجاتي كإنسان: تتعدد، تتجدد تتزايد، تتباين.
كذلك الدين الإسلامي جعل منهُ سؤالاً سهلاً خلاف الديانات الأخرى، اهتموا كثيراً بما يعجب عقولهم ويتناسب معها فاختاروا اجابته حتى أضاعوها كما هي عليه حال كتبهم المحرّفة. كلها دياناتٌ من عند الله ولكن مدى تقبل العقل البشري لها يختلف من عصرٍ إلى آخر.
يجسّد شعور الحيرة والضياع عند ذلك السؤال الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدةٍ له:
أَنا مَن أَنا يا تُرى في الوُجودِ       وَما هُوَ شَأني وَما مَوضِعي
أَنا قَطرَةٌ لَمَعَت في الضُحى         قَليلاً عَلى ضِفَّةِ المَشرَعِ
سَيَأتي عَلَيها المَساءُ فَتَغدو          كَأَن لَم تَرَقرَق وَلم تَلمَعِ
أَنا نَغمَةٌ وَقَّعَتها الحَياةُ                لِمَن قَد يَعي وَلِمن لا يَعي
سَيَمشي عَلَيها السُكوتُ فَتُمسي    كَأَن لَم تَمُرَّ عَلى مِسمَعِ
أَنا شَبَحٌ راكِضٌ مُسرِعٌ             مَعَ الزَمَنِ الراكِضِ المُسرِعِ
سَيُرخي عَلَيهِ السِتارُ وَيُخفي         كَأَن لم يَجِدَّ وَلَم يَهطَعِ
أَنا مَوجَةٌ دَفَعَتها الحَياةُ               إِلى أَوسَعٍ فَإِلى أَوسَعِ
سَتَنحَلُّ في الشَطِّ عَمّا قَليلٍ        كَأَن لَم تَدَفَّع وَلَم تُدفَعِ
فَيا قَلبُ لا تَغتَرِر بِالشَبابِ       وَيا نَفسُ بِالخُلدِ لا تَطمَعي
فَإِنَّ الكُهولَةَ تَمضي كَما           تَوَلّى الشَبابُ وَلَم يَرجُعِ
وَلَكِنَّ فيها جَمالاً بَديعاً            وَفيها حَنينٌ إِلى الأَبدَعِ
وَمَن لا يَرى الحُسنَ في ما يَراهُ   فَما هُوَ بِالرَجُلِ الأَلمَعي

تعليقات

المشاركات الشائعة