شياطينٌ وضحايا


يقول الفيلسوف الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي، في كتابه الجريمة والعقاب: "إن السؤال الوحيد الذي يجب طرحه هو السؤال التالي: أأنا شيطانٌ أم ضحيّة؟"..
وأنا أقول أن الجواب الحقيقي لهذا السؤال العبثي: "أنت ما تريد أن تكون"..
لا إجابة أكثر وضوحاً بالنسبة لي كتلك! فنحن بطبيعتنا كبشر نحب تقمص الأدوار والمسميات، هي حكمنا على البشر وعلى أنفسنا وفيها أيضاً حكمٌ للبشر علينا!
سواءً كانت تلك المسميات تشير إلى ديانة ومعتقد، عائلة أو قبيلة ونسب، فكلها تعبّر عن شيء ما ليس بالضرورة أن يصف حال الشخص الذي يتسمى بها، كل الأسماء سهلة وسهلٌ إطلاقها، كما هي الأحكام!
الفيلسوف الذي بدوره وضع هذا السؤال أجبرك إما أن تجيب بإحدى هاتين، أو أن تضيع في فضاء اللاإجابة! جعلك تفكر طويلاً لتكون هذا أو هذا، بينما أنت قادر على أن تكون نفسك، لا شيء منهما. بإمكانك أن تبرر كل ما يحصل لك وما تفعل بأنه من نفسك البشرية ذاتها!
فنفوسنا البشرية هي عوالم عميقة في داخل كل واحد منا، لها حياتها وأسرارها، ومكنوناتها، لا تطلع عليها أحداً أياً كان!
ومهما أطلعت فلن تطلعه على كل خفي، بل ستبقى أشياءً كثيرة في عمقها وخفائها..
وسلوكنا الظاهر إنما هو انعكاسٌ لما في النفس، حتى ولو حاولنا أن نظهر غيره، ولكل سلوكٍ من خلفه دافعيةٌ نفسية تحركه، أو تخمده، تحمسه أو تثبطه. ومحور النفس هو القلب، تدور حوله، وتتقيد بقيده، فتنصلح بصلاحه، وتأتمر بأمره.
وهذا العالم العميق يحتاج إلى منهاج يقوّمه، ويصوّبه، وينقّيه، ويهذّبه، ويعالج أمراضه، ويدفعه للرقيّ والسمو، وهي قابلة لذلك! ويمنعه عن الدناءة والانحطاط وهي معرضة لذلك. لذا فإن أضعف النظريات قبولا للفروض العلمية هي النظريات النفسية، وأقل العلوم الطبية أثراً علاجياً هو مجال الطب النفسي، إلا ماكان منه خاضعا للتأثير الكيميائي البحت.
فعالم النفوس هو العالم الخفي الذي يصعب الإطلاع على كنهه وتستحيل الإحاطة بمفرداته، وتندر القدرة على تفهم دوافعه وخلفياته بصورة كاملة، وهو العالم الذي يجمع المتناقضات بين أطرافه، فهو سريع التغير عند أناس، بطيؤها عند آخرين، سهل التقلب في أحوال، صعبها في أخرى، كثير التأثر في مواقف، قليلها في مواقف أخرى، رقيق الأوصاف في ظاهره، صعب المراس في باطنه، قريب التناول فيما يبدو، بعيد العمق في الداخل!



تعليقات

المشاركات الشائعة